--------------------------------------------------------------------------------
<div align=\'center\'>اليكم موضوع عن السحر في الحضارات الاوروبية القديمة… في توصيفات مقدمة ابن خلدون التاريخية
حملت تقارير تطايرت عبر الفضائيات وتناقلتها وكالات الانباء والصحافة في كل ارجاء العالم عن صرف عشرات المليارات من الدولارات في اوروبا وحدها في دهاليز السحر وقراءة الطالع.
وهذه المسألة ليست بغريبة على مجتمع ابتدا نظامه الديني والاجتماعي على السحر والسحرة، اذ ان جميع التواريخ والاثار القديمة تشير الى رغبة الانسان الشديدة لمعرفة ماسيحدث في المستقبل، واعتقد بان هذه المعرفة من الامور التي يمكن الوصول اليها بوسائل متنوعة وطرق شتى.
واليونانيون قبل غيرهم ساهموا بهذا الاعتقاد ورسخوه في عقول الحكام والرعية وحافظوا عليه حتى في عهود ازدهار التفكير العقلاني، منطلقين من معتقدات ظلت ثابتة عندهم مفادها ان الالهة تبين مقاصدها من حين الى اخر من خلال الكهان او الاستدلال من صرخات الطيور والنسور وحركاتها او من خلال ملاحظة بعض العلامات التي قد تظهر في احشاء القرابين واكبادها والتي يقوم الكهان بترجمة مضامينها.
ان الاعتقاد بالكهانة والكهان ساد في اذهان اليونانيين بوجه عام, لذلك نجد ان الكهانة قد لعبت دورا هاما ومبرزا في تاريخ اليونان، حتى ان بعض المؤرخين ادعوا بان كل تاريخ اليونان ان هو الا فصل كبير من فصول تاريخ الكهانات العام، اذ ان (هرودوت) بدا تاريخه بترجمة حياة (قره زوس) ليقص اخبار الكهانات التي احاطت بحياة ذلك الملك في كل تفاصيل يومياته والتي سنرجع للاشارة اليها لاحقا.
ان هرودوت لم يكن منفردا لوحده في هذه النزعة الفكرية بين المؤرخين القدماء ، بل ان المؤرخ المشهور (فلوروس) ايضا كان يعزو كثيرا من الوقائع التاريخية الى اعمال الالهة ومداخلاتها من خلال ذكره لتفاصيل الحروب التي نشبت بين روما وهانيبال حيث اوقفت زحفه الالهة في موقعة (كابووا) من خلال الامطار التي سقطت بغزارة والرياح التي عصفت بشدة غريبة، فلم يتمكن هانيبال من الاستمرار في الزحف، وقد عزا فلوروس فعل الامطار والرياح العاصفة الى مشيئة الالهة التي ارادت صد العدو عن غزو روما، اذ كان يخيل للمرء ان هذه العاصفة لم تات من السماء، بل تدفقت من اسوار روما واجزاء الكابيتول، وهذا ما اكده القديس اوغسطين في القرن الرابع الميلادي الذي انتقد مؤرخي الوثنية باسلوب لاذع من جراء نزعاتهم هذه ،والذي لم يتمكن من تخليص نفسه من هذه النزعة، حيث جاء في كتابه الشهير (مدينة الله) ان الله اعطى السلطة للرومان عندما شاء، وبالعظمة التي شاء ان تكون عليها، وهو الذي اعطى السلطة قبل ذلك الى الاشوريين في بلاد ماوراء النهر.
موقف ابن خلدون من السحر
لم يكن ابن خلدون كما ثبت ذلك في مقدمته الشهيرة ليقف الى جانب تلك الدعوات ويصطف مع رهط من سبقه من مؤرخي الازمنة الغابرة، حيث ملأت اخبار الكهانات والخرافات تاريخ هرودوت الذي لقب بـ(ابو التاريخ) ولا بابحاث النجوم والمنجمين التي شغلت حيزا خطيرا في (جمهورية بودن) وهو من اكابر المفكرين ومن مؤسسي فلسفة التاريخ في اوروبا القديمة.
ان ابن خلدون لم يمزج وقائق التاريخ باخبار الكهانة كما فعل (ابو التاريخ) ولم يحاول تفسير التاريخ بتاثيرات النجوم كما فعل جان بودن، ولم يكتف برد عوامل التاريخ الى مشيئة الله كما فعل بوسوته، ولا حاول اتخاذ التاريخ وسيلة لاثبات قدرة الله كما فعل (فيكو) مع انه كتب ماكتبه في هذا الصدد قبل جميع هؤلاء بقرنين او ثلاثة قرون.
ان مايؤخذ على ابن خلدون في مقدمته الشهيرة ذكره الشيطان والشياطين وبحثه عن السحر والسحرة بشيء من التفصيل، غير انه يترتب علينا ان لاننسى ابدا ان ابن خلدون كتب ذلك في عهد كان رجال الحكم والدين يقدمون على احراق المئات بل الالوف من المرضى والسحرة بقصد التخلص من شرور الشياطين المستولين على ابدان هؤلاء المرضى والمسيطرين على ارواح هؤلاء السحرة ...
كما وعلينا ان نتذكر دائما بان عددا غير قليل من العلماء والمفكرين الاوربيين ظلوا يعتقدون بالسحر ويحبذون احراق السحرة ولكنهم في الوقت نفسه لايحجمون عن نشر المؤلفات في هذه المواضيع حتى بعد مضي مدة تناهز القرنين على وفاة ابن خلدون.
السحر والتاريخ
ان الاعتقاد بالسحر والسحرة والقول بتاثيره من جملة الامور الخرافية التي سادت على اذهان الناس عند جميع الامم ، وفي جميع ادوار التاريخ الماضية، لتتوقف وتستقر طويلا في اذهان قدامى الاوربيين ، بعد ان كانت مستقرة عند قدامى المصريين، لتنتقل من المحافل الفرعونية الى اليونان والرومان بشكل عام لتكتسب خطوة واسعة في عموم اوروبا في القرون الوسطى حيث امتزج بالاعتقاد بالشياطين واودى بحياة الكثيرين من الابرياء والمظلومين، وهذه المعتقدات الخرافية كما تناقلها المؤرخون لم تنته بانتهاء القرون الوسطى ،بل استمرت بعد ذلك خلال عهد الانبعاث ، ولم تفقد شيئا من قوتها وجبروتها الا بحدود نهاية القرن السابع عشر وحلول مطلع القرن الثامن عشر.
كان الاوربيون يعتقدون حين ذاك بالسحر والسحرة اعتقادا راسخا ويعزون تاثير السحر الى اعمال الشياطين، وكانوا يقولون بوجود الملايين من الشياطين ويزعمون ان هولاء الشياطين يسيطرون على بعض الناس ولاسيما النساء، ويولدون شتى الامراض ويسببون انواع الشرور ويتخذون السحرة الة وواسطة لشرورهم هذه، وكانوا يظنون ان جماعات السحرة يعقدون من حين الى اخر اجتماعات خاصة مع الشياطين في خبايا الغابات، ويقيمون انواعا عديدة من الطقوس الغريبة خلال تلك الاجتماعات، ولهذه الاسباب كانوا يتهمون من وقت الى اخر بعض النساء بعمل السحر وبعضهن بالاستسلام الى السحرة والاتفاق مع الشياطين فكانوا يحاكمونهن كما يحاكمون المجرمين والجناة.
ومما يستلفت النظر بوجه خاص ان عدة مؤلفين اقدموا على تاليف الكتب المفصلة في مضامين السحر والشياطين، ولعل من اشهر المؤلفات في هذا المجال الكتاب الذي نشره (اسبر نجر) عام 1489 ويتالف من ثلاثة اقسام تضمن القسم الثالث منه اصول التحقيق والمحاكمة في قضايا السحر وقد اكتسب هذا الكتاب شهرة واسعة واصبح دستورا لعمل الحكام مدة طويلة في مختلف اقطار القارة الاوروبية.
ومن المؤلفات الغريبة التي صدرت في هذا الشان كذلك، الكتاب الذي طبعه (جان فيير) عام 1568 في مدينة بازل السويسرية وقد احصى المؤلف في كتابه هذا عدد الشياطين وشرح انواعهم وذكر اسماء بعضهم، واسهب في تفصيل اعمالهم، وقد تبين من احصائية فريدة تضمنتها صفحات الكتاب ان عدد الشياطين على حد زعم مؤلفه يبلغ 7405926 شيطانا منهم 172 من صنف الامراء والبقية من الرعايا، وينقسم هؤلاء الى (1111) فرقة تتالف كل فرقة من (6666).
ان الاعتقاد بالسحر سيطر على اذهان الكثيرين من العلماء الذين نبغوا في القرون الوسطى في اوروبا، بل وفي عهد الانبعاث ايضا، وقد كان بينهم الرياضيون والفلاسفة والاطباء والمؤرخون
* * * مـ ـنـ ـقـ ـو ل * * *[/center]
__________________
<div align=\'center\'>